ماذا أفعل إذا تورد وجهي خجلا ؟
ماذا أفعل إذا لاحظ الآخرون أني منفعل ؟ وماذا سوف يعتقدون عني ؟
ماذا أفعل إذا أصبح عقلي غير قادر فجأة على تذكر أي شيء وكنت غير قادر على الرد على الأسئلة ؟
ماذا أفعل إذا أعتقد الآخرون أني أحمق عند استماعهم لما أقول ؟
ماذا أفعل إذا أعتقد الآخرون أني مختلف عن الجميع ؟
ماذا وماذا وماذا ............
إن كان أخي العزيز قد اشتد غضبك على الرهاب الاجتماعي ، وأصبحت في قمة الكراهية له وكنت كمن قال : لو كان الرهاب رجلا لعذبته بالرهاب ، فأعلم بأن هذه الأفكار هي السبب ، هل تصدق !!! نعم هي السبب .
ولكي تعلم صدق قولي فانظر إلى أفكارك ، وحاول أن تعرف كنهها قبل دخولك إلى موقف اجتماعي فهي لن تخرج عن ذلك بشكل كبير.
ولو تأملنا هذه الأفكار التي تجعلك تشعر بالتوتر والخجل ؛ سنراها تتفق جميعا وتلتقي بالخوف الكبير من الظهور بمظاهر النقص ، والدونية ؛ التي تشعر بها في قرارة نفسك ؛ وسبب ذلك ضعف الثقة بالله أولا وبالنفس ثانيا ، ويرجع ذلك إلى تقييمك السلبي لأدائك في المواقف الاجتماعية ؛ حيث ومع تراكم المواقف الاجتماعية السلبية لديك ؛ يتولد لديك إحساس بأن جميع مواقفك الحياتية التي تأخذ الطابع الاجتماعي سوف تمر بصور سيئة للغاية ؛ إن هذا الإحساس الذي يتولد لديك وهذه النظرة السلبية تجاه مواقفك الاجتماعية ، ستجعلك لن تستطيع السيطرة على نفسك ، ولا أن تحاول مجابهة خجلك ، بل ولن تفكر في ذلك ؛ لأنك قد حكمت على مواقفك الاجتماعية مسبقا بالفشل والسلبية ، وحكمت على نفسك بعدم نجاحها في ذلك ، الأمر الذي يجعلك تستسلم لهذا الخجل وتصاب بالانهزام منه ، وبعد ذلك يستطيع السيطرة عليك في جميع مواقفك الاجتماعية ، ويجعلك بعد ذلك تخجل من أدنى الأمور ، وتظهر علامات خجلك في أتفه المواقف ، لتقع في مخاوف جديدة ألا وهي : مخاوفك من ظهور علامات الخجل ، ومع ظهور علامات الخجل لديك في كل موقف اجتماعي يواجهك ، سيتولد لديك إحساس بأن الجميع يراقب خجلك ، ويعرف ما في نفسك ، إن هذا الإحساس يولد لديك سلوكا مضطربا يجعلك تظهر بمظهر الخجول ، والخائف ، و يجعلك تواجه صعوبة كبيرة بالظهور بالمظهر اللائق الذي تريده ، وتطمح إليه ، وبعد أن تغادر هذا الموقف الاجتماعي – طبعا سترتاح قليلا ، ولكنك ستشعر لاحقا بأن هذا الموقف كان موقفا سلبيا ، وغير ناجح ألبته ، وستشعر أيضا بأنك غاضب على نفسك ، حيث سيكون تقييمك لنفسك في ذلك الموقف الاجتماعي حتما سلبيا ، وهذا التقييم السلبي سوف يجعلك تفقد ثقتك بنفسك ، لتصاب بعد ذلك بالشعور بالنقص ، وتخشى أشد الخشية بالظهور بمظهره ، ويجعلك ذلك تصاب بالقلق ، والتوتر ، وكثرة الأفكار القلقة ؛ لتبدأ بدورة جديدة من دورات القلق الاجتماعي والتي تتضح من خلال الشكل التالي :
وللتوضيح أكثر سنضرب مثالا على ذلك :
محمد من الناس ، إنسان عاش حياة طبيعية ؛ لفترة من الزمن ، ولكن بعد مدة اعترضت حياته بعض المشاكل الشخصية ، التي أثرت عليه ، وجعلته يصاب بالتوتر ، والقلق . هذا التوتر للأسف جعله يعيش حياة بعيدة عن الناس ، وبسبب انشغاله بمشاكله ، وبهمومه ، وازدياد كمية القلق ، والتوتر لديه ؛ لم يستطع التفاعل بين أصدقائه ، ومحيطه ؛ إذ أفقدته تلك المشاكل قدرته على الاتصال ، وبعد فترة من الزمن أصبح ذا شخصيةٍ مكتئبة.
وكم كان يتألم كثيرا لعدم تفاعله مع أصدقائه ، وأصبح يسأل نفسه هذا السؤال : ما لذي جعلني أصبح هكذا ؟
أنا أشعر بالشفقة على محمد ، فقد كان في السابق شعلة من النشاط ، يضحك ، ويناقش ، ويجادل بكل ثقة ، وها هو الآن أصبح كئيباً ، منفرداً لا يستطيع حتى مشاركة أصدقائه بالضحك .
ومحمد نفسه قد شعر بهذا التغير الذي طرأ على حياته ؛ فشعر بالأسى ، والحزن ، على نفسه ، وازداد وعيه لذاته ، وأصبح خائفا أن يستمر على هذا الحال طوال عمره .
ونتيجة لمراقبة لسلوكه ، ونقده إياه بشده ، أصابه بعض التوتر ، والذي جعله لا يتصرف بطبيعته المعهودة ، لذلك كان شديد الحساسية تجاه علاقاته الاجتماعية ؛ الأمر الذي جعله يفشل في قضاء ليلة سعيدة بين أصدقائه ، ومع كثرة اللقاءات الفاشلة مع أصدقائه ، ازدادت مخاوفه ، وتوقع أن تكون جميع لقاءاته كسابقها مصيرها إلى الفشل ، وامتلأ عقله بالأفكار القلقة ، والمثيرة ، حيث أصبح يسأل نفسه قبل أي لقاء اجتماعي مثل هذه الأسئلة : ماذا لو لم أتصرف كالآخرين ؟ ماذا لو لا حظ الآخرون أني منفعل ؟ ماذا لو لم أستطع الضحك بين أصدقائي كما أريد؟؟؟؟؟؟ واستمر صديقنا محمد على هذا المنوال .
وللأسف فإنه ليس هناك أعظم خطرا على العلاقات الاجتماعية من هذه الأسئلة ؛ فهي تسبب التوتر ، والقلق ؛ اللذان هما من أسباب فشل هذه العلاقات .
وهذا ما حدث لصديقنا محمد ، حيث رأيته جالسا بين أصدقائه ، لا يكاد ينطق بكلمة ، وفقد الأمل في أن يضحك بملء فيه ، وأصبح بالكاد يستطيع مقابلة ابتسامة أصحابه بابتسامة باهته ، وظهر ما كان يخشاه ؛ حيث ظهرت عليه أعراض القلق ، والتوتر ؛ فأصبح الجميع ينظر إليه ، و يشعر بما يمر به صديقنا محمد ، ولا تسأل عن مشاعر محمد بعد أن رأى الجميع ينظر إلى توتره وانزعاجه ، فقام من مكانه واستأذن أصدقائه وذهب إلى بيته .
وقبل أن ينام أصبح يفكر في لقاء الغد مع أصدقائه ، وهل سيكون مثل لقاء اليوم ، وللأسف الشديد ظهرت عليه مرة أخرى علامات التوتر والانزعاج ، فغادر مبكرا ، و أصبح بدلا من أن يخاف من مواقفه الفاشلة ، أصبح يخاف من ظهور علامات القلق والأعراض الجسمانية .
وعاش محمد قانون الجهد المعكوس ، فأراد بكل ما أوتي من قوة أن يظهر بمظهر الطبيعي ، ولكن لم يحدث إلا العكس ، فأصبح يتعامل بصعوبة في المواقف الاجتماعية ، و لا يستطيع أن يظهر بالمظهر الذي يريده .
وضعفت ثقة محمد بنفسه ، بسبب تقييمه السلبي لأدائه في مواقفه الاجتماعية ، ومع كثرة اللقاءات الفاشلة ، ازداد يقين محمد بأن جميع مواقفه الاجتماعية سيكون مصيرها الفشل .
إذن كانت بداية محمد مع القلق الاجتماعي من :
1- مجموعة مواقف سلبية ، وفاشلة .
وبسبب كثرة هذه المواقف ، شعر باليأس ، و أصابته :
2- توقعات بأن جميع مواقفه القادمة ستكون فاشلة .
هذه التوقعات التي جاءت محمد ؛ قد خالفت حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال " تفاءلوا بالخير تجدوه". فصديقنا محمد لم يتفاءل بالخير ، بل بالشر وهذا الشر يتألف من :
3- ظهور علامات القلق .
و لأن أي شخص لا يرغب بأن يظهر بمظهر القلِق ؛ فإن محمد أصابه :
4- الخوف من ظهور علامات القلق .
ولأن محمد بشر ، فقد جاهد نفسه لكي يظهر بالمظهر الذي يريد ، ولكن أصابه قانون الجهد المعكوس ، فأنقلب الأمر عليه ، وأصبحت مجاهدته لنفسه ضعيفة ؛ لأنه توقع في السابق بأن جميع مواقفه ستفشل ، وهذا التوقع أصابه بالشك ، لذا أصبح سهل الانقياد من قبل القلق الاجتماعي ، والذي أذاقه :
5- صعوبة التفاعل مع أي موقف اجتماعي
ونتيجة لصعوبة تعامله مع المواقف الاجتماعية ، فإنها في الغالب ستكون ليست محل النجاح ، وهذا أمر طبيعي لأي شخص ، يجد في أي عمل صعوبة القيام به ، فهذا صديقنا محمد خرج من ذلك الموقف الاجتماعي بــ :
6- تقييم سلبي لأدائه في الموقف الاجتماعي.
وهذه هي النتيجة النهائية لأي موقف يمر به محمد ، ليضيف محمد هذا الموقف إلى سجلات المواقف الاجتماعية الفاشلة ، ليبدأ من جديد مع دورة من دورات القلق .
هل تشعر بأن الأمر معقد قليلا ؟ نعم هو كذلك .
والسؤال الآن كيف يستطيع محمد التخلص من هذه المشكلة ؟؟؟؟؟
الأمر جد بسيط !!
وهو أن يقطع هذه الدائرة اللعينة ، بمقص من حديد .
ولكن كيف ذلك ؟؟ ومن أين يبدأ ؟؟
هل يبدأ بالتقييم الإيجابي ؟ لا ، وكيف ذلك وموقفه الاجتماعي سلبي؟
هل يبدأ بالتفاعل الاجتماعي ؟ لا ، وكيف ذلك وعلامات القلق تخيفه؟
هل يبدأ بتوقع مواقف ناجحة ؟ ليس تماما .
هل يبدأ بصنع مواقف ناجحة ؟ بارك الله فيك ، هنا الإجابة .
تقول إلينور روزفلت :
" إنني أؤمن أن أي شخص يستطيع أن يهزم الخوف ؛ بأن يفعل ما يخاف منه ، بشرط أن يستمر فيه حتى يحقق سجلاً من النجاحات فيه " .
تحياتي للجميع بالتوفيق .